في خطابه الأخير في الذكرى السنوية لاغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، انتصر رئيس الحكومة سعد الحريري لشعاره الشهير "زيّ ما هيي"، الذي بات ملزمًا بموجب القانون الانتخابيّ القائم على النسبية مع اعتماد الصوت التفضيلي، لافتاً إلى أنّ من كانوا ينتقدونه عليه باتوا من أشرس المدافعين عنه.
لكن، في أروقة "المستقبل"، حديثٌ بدأ يتداول عن بُعدٍ جديدٍ لهذا الشعار، يدرسه الحريري جديًا، بحيث لا يقتصر على المفهوم العام لآليّة الاقتراع، بل يشمل التحالفات، وهو ما ألمح إليه عضو كتلة "المستقبل" النائب سمير الجسر بحديثه عن إمكانيّة خوض الانتخابات بلوائح "زي ما هيي"، أي لوائح زرقاء صرف. فهل مثل هذا الخيار وارد؟ وكيف ذلك؟.
الضياع مستمرّ
لا شيء يبدو ثابتًا داخل "المستقبل" حتى الآن، لا على صعيد الترشيحات، التي لم تحسم بشكلٍ نهائيّ، وإن قطعت شوطًا كبيرًا، ولا على صعيد التحالفات، التي لا تزال عصيّة على التيار، أو لا تزال تربكه على الأقلّ، خصوصًا في ضوء خشيته من لومة لائم، في ضوء عدم وضوح الصورة الانتخابيّة حتى الساعة لدى المملكة العربية السعودية، التي لطالما كانت المرجعيّة الانتخابيّة الأولى بالنسبة للتيار "الأزرق".
فعلى صعيد الترشيحات، حسم "المستقبل" عددًا لا بأس به من الأسماء بعد الكثير من الأخذ والردّ، ولكنّه أبقى الغموض سيّد الموقف في ما يتعلّق بترشيحاتٍ أخرى، خصوصًا في بيروت والشمال، في وقتٍ أعطى لعبة التسريبات والشائعات مداها على ما يبدو لجسّ نبض الكثير من الشخصيّات، التي يُقال في الكواليس إنّ "الشيخ سعد" لا ينوي إعادة ترشيحها، كعقابٍ لها ربما على عدم وقوفها إلى جانبه، سواء عند إبرام التسوية الرئاسية، أو في محنته الأخيرة بعد أزمة استقالته الشهيرة. ولعلّ ما يجعل رئيس الحكومة يواصل "تريّثه" على هذا الصعيد حتى إشعارٍ آخر ما يُحكى عن نيّة العديد من نواب "المستقبل" الذين لم يتمّ حسم ترشيحهم بعد، وبينهم صقور، خوض المعركة في وجه الحريري، في حال لم يتمّ "تجديد البيعة" لهم من خلال إعادة ترشيحهم للندوة البرلمانية، ويُقال إنّ بعض هؤلاء قد باشروا باتصالات مع بعض خصوم الحريري لاتخاذ قرارهم على هذا الصعيد.
أما على صعيد التحالفات، فحدّث ولا حرج، إذ يحمل كلّ يوم خبرًا جديدًا، إما عن تقارب أو عن افتراق، لدرجة أنّ ثمّة معلوماتٍ تحدّثت خلال الساعات الماضية عن "طلاق انتخابيّ" بين "المستقبل" و"التيار الوطني الحر"، رغم أنّ الأخير يبدو لكثيرين الوحيد الذي يخوض مفاوضات "جدية" للتحالف الانتخابي مع "تيار المستقبل"، كان آخرها اللقاء الذي جمع قبل يومين الحريري مع الوزير جبران باسيل في بيت الوسط. وعلى الرغم من أنّ اتصالات "المستقبل" مع "القوات" كانت قد حقّقت تقدّمًا يُبنى عليه في المرحلة الأخيرة، إلا أنّ كلّ الأجواء توحي بأنّ كلاً من الفريقين بات يتصرّف وفق قاعدة أنّ "انفصالهما" أمرٌ واقعٌ، إلا إذا استجدّ طارئٌ في اللحظة الأخيرة، قد يكون عبارة عن "كلمة سرّ" تأتي من الخارج.
وارد وأكثر!
وسط كلّ هذا الضياع على صعيد الترشيحات، والأهمّ على صعيد التحالفات، حتى تلك التي سُمّيت "على القطعة"، بدأ الحديث يتصاعد عن إمكان لجوء "المستقبل" إلى خوض الانتخابات منفردًا، وفق قاعدة "زي ما هيي"، وهو خيارٌ بدأ العديد من "المستقبليّين" يروّجون له، على أساس أنّ فوائده أكثر من أضراره، إن اعتُمِد في بعض الدوائر على الأقلّ، وتحديدًا تلك التي يتمتّع فيها التيار "الأزرق" بحيثيّة شعبيّة تجعله قادرًا على حصد الحاصل الانتخابي من دون "مونة" من أحد.
وإذا كان العامل السياسي بطبيعة الحال من العوامل الأساسية التي تدفع باتجاه هذا الخيار، خصوصًا في ظلّ الخشية "المستقبليّة" من "تمرّد" أهل البيت، في الداخل والخارج، على الحريري، في حال أصرّ على بعض خياراته "التحالفيّة"، فإنّ القانون الانتخابيّ بحدّ ذاته يشكّل بالنسبة للعديد من "المستقبليّين" المبرّر الأكبر للذهاب نحو هذا الخيار. فما يميّز القانون الانتخابيّ الجديد عن القوانين الأكثرية السابقة هو سماحه لكلّ حزب بالوصول إلى الندوة البرلمانية بـ"عضلاته" من دون الحاجة إلى الآخرين، بل إنّ التحالف في الكثير من المناطق والدوائر قد يكون مضرًا، وهذا الأمر ينطبق على الدوائر التي يكون فيها أيّ حزبٍ مرتاحًا ومطمئنًا لواقعه الشعبي.
ولعلّ هذا المنطق يعبّر عن وجهة نظر موضوعيّة يعكسها بالفعل القانون الانتخابيّ، الذي يقول الكثير من الخبراء إنّه يجعل المصلحة الانتخابيّة لكلّ من يمكن وصفه بـ"القوي" في أيّ دائرة تقتضي عدم تحالفه مع غيره، إلا في حال كان الهدف "احتكار" الحاصل الانتخابيّ، وبالتالي منع أيّ خرقٍ ممكن، كما فعل الثنائي الشيعي مثلاً في الجنوب والبقاع. ولعلّ دائرة طرابلس – المنية – الضنية تختصر هذا المفهوم، حيث يبدو أنّ معظم "أقطاب" المدينة سيسعون لخوض المعركة، كلٌ من موقعه، لضمان الفوز، وحتى لا يسقط أحدهم ضحية توزيع الأصوات التفضيلية فيما بينهم، في حال شكّلوا لائحة مشتركة.
أكثر من ذلك، فإنّ هذا القانون قد يدفع بعض الأفرقاء لتشكيل أكثر من لائحة، في محاولةٍ لـ"الاحتيال" على القانون، وهو أمرٌ يدرسه "المستقبل" أيضًا في بيروت الثانية على سبيل المثال، حيث تحدّثت معلومات عن إمكانية خوض شخصية "وسطية" مقرّبة من "المستقبل" الانتخابات على رأس لائحة "موازية" للائحة "الزرقاء"، علمًا أنّ اسم الوزير نهاد المشنوق كان مطروحًا في السابق لترؤس مثل هذه اللائحة، قبل أن يتمّ سحبه على أساس أنّ المشنوق يبقى "مستقبليًا"، وإن كان يخشى أن يسقط ضحية ذهاب معظم الأصوات التفضيلية لصالح الحريري.
كلّ الطرق متشابهة...
انطلاقاً من كلّ ما سبق، يمكن القول إنّ خوض "المستقبليين" لمعركتهم بلوائح زرقاء صرف، أو "زيّ ما هيي" كما يحلو لبعضهم توصيفها، قد يكون مريحًا لهم أكثر، ومربحًا في الوقت نفسه، علمًا أنّ كلّ الطرق، بتحالفاتٍ ومن دونها، ستؤدّي لتقلّص عديد الكتلة "الزرقاء"، شاء من شاء وأبى من أبى.
ولكن، وأبعد من بعض التفاصيل المرتبطة بدائرتي بيروت وطرابلس مثلاً، لا شكّ أنّ التحالفات تبقى أساسيّة بالنسبة لـ"المستقبل" في دوائر أخرى، لا يملك فيها الحاصل الانتخابي بمفرده، وهو لذلك سيترك محرّكات المفاوضات مُدارة حتى "لحظة الحسم" الأخيرة، على أمل أن تصله كلمة السرّ الخارجية قبل أن يحين موعدها...